لا أريد أن أحلم
قصة قصيرة - ابراهيم الخضراوي
صباح هذا الأحد استيقظت فرحا نشيطا على غير
العادة، ركبت الترامواي من أمام مقهى الريحانة وأخذت مكاني قرب النافذة لأتملى
جمال مدينتي هذا الصباح، شارع عين بوفارس يبدو نظيفا، والأشجار على جنباته مورقة مزهرة،
وواجهات المحلات التجارية مزينة أنيقة، ...
المكان هادئ، وركاب الترام صامتون، منشغلون،
مستمتعون بجمال الطريق ... فجأة تكسر الهدوء والصمت وخيل لي أني في شارع من شوارع
لندن فدقات ساعة " المكانة " تشبه دقات ساعة " بيغ بن " ! لم أصدق ما سمعت، واستغلت فرصة توقف الترام لأتملى في الساعة
الضخمة الجميلة، وانبهرت ببريق عقاربها الذهبية ... أكمل الترام طريقه وعدت لأتمم
تحديقي في الرصيف فأنا لن أنزل حتى آخر محطة، علق راكب كان جالسا بجانبي : "
لقد تغيرت وزان كثيرا " فبدأ الكلام والنقاش، كل واحد يعبر عن إعجابه
واندهاشه وعن الإنجازات التي حققتها المدينة في السنوات الأخيرة، لم أكترث لما
يدور حولي فقد كنت مشدودا لجمال المباني الشاهقة ... قالت إحداهن : " ... حتى
المطار في طور الإنجاز، لنزور أحبابنا في الرباط
ومراكش دون عناء الحافلات " أثارني كلامها واستدرت مبتسما لأشارك
الجماعة الحوار .. كان الركاب من كل الفئات والأعمار تبدو على وجهوهم علامات النشاط والسرور لم
أعهده فيهم من قبل، ويرتدون ثيابا جميلة نقية، تفوح منهم روائح زكية، ويتكلمون
ويتحاورون بلطف وأدب ... تابعت حوارهم لمدة، وبدأ النوم يغازل عيني فأرخيت رأسي
على الكرسي الوثير، واستسلمت لوسنة خفيفة وكلام الركاب لا زال يطرب أذني .... بعد
مدة من النوم شعرت كأن جاثوما يخنقني، وأنا مع جماعة من الركاب محشورين داخل سيارة
للنقل السري ورائحة السردين والأحذية والعرق تمزق صدري.
كم من حلم أصبح حقيقة.
ردحذف